
أسامة داود يكشف: الفارق بين وزير شيد صروح الطب.. ووزير يؤجرها للخواجة!

الخواجة
يدير.. والمريض يدفع.. والوزير يبتسم أمام الكاميرا!
المستشفى
المصري الذي تحوّل إلى لافتة أجنبية.. شهادة وفاة لكرامة القطاع العام الصحي
الإسعاف
لا يتحرك إلا لمن يدفع.. والرعاية العاجلة أصبحت مؤجلة!
حين يصبح
“الإنجاز” هو تأجير المستشفى.. لا إنقاذ المريض!
بدأت
رحلة تأجير المستشفيات العامة المملوكة للدولة، والمنشأة بأموال الشعب، حين تحوّل مستشفى
أورام دار السلام (هرمل سابقًا) إلى ما يسمى اليوم بـ "جوستاف روسي"، في مشهد يعكس انكسارًا إداريًا لا يُخفى
على أحد.
فبدلًا من أن تفتخر الدولة بقدرة
أبنائها على إدارة مؤسساتها الطبية، أصبح وزير الصحة يتباهى بإدارة أجنبية لمستشفى
مصري، وكأن الفشل في إدارة القطاع الصحي أصبح مدعاة للفخر لا للخجل.
الوزير
الذي لم نرَ على يديه سوى تراجع الخدمات الصحية إلى أدنى مستوياتها، راح يتنقّل
بين أروقة المستشفى الأجنبي مبتهجًا بما يراه من مظاهر “التطور”، دون أن يتساءل:
لماذا لم نعد قادرين على تحقيق هذا التطور بأيدينا كما كنا من قبل؟
زيارة
تحمل مفارقة صارخة
في بيان
رسمي صادر عن وزارة الصحة والسكان، جاء أن الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس
الوزراء ووزير الصحة والسكان، أجرى زيارة مفاجئة لمستشفى جوستاف روسي صباح الخميس،
خلال العطلة الرسمية لاحتفالات نصر أكتوبر، حيث أشاد بجودة الخدمات المقدمة، وحرص
على “الاطمئنان على المرضى ومتابعة انتظام العمل”.
وأضاف البيان أن الوزير وجّه بتخصيص
موظفين لتسهيل التواصل مع المرضى وتسريع قرارات العلاج على نفقة الدولة.
لكن
المأساة أن الوزير يشيد اليوم بمستشفى كان بالأمس مصريًا خالصًا، يدار بكفاءة
وطنية، ويجري فيه زرع النخاع وعمليات دقيقة تضاهي كبرى المراكز العالمية، قبل أن
يتحوّل إلى مؤسسة “مؤجرة”، ترفض علاج المرضى إذا تأخر قرار نفقة الدولة.
كيف
لوزير مصري أن يفتخر بإدارة أجنبية لمستشفى مصري؟ وكيف يغفل أن هذا الصرح كان
نموذجًا ناجحًا حين كان يُدار بعقول مصرية، قبل أن يُسلَّم مفاتيحه إلى “الخواجة”؟
إسماعيل
سلام.. الوزير الذي صنع مجد الطب المصري
على
النقيض تمامًا، يقف الدكتور إسماعيل سلام، وزير الصحة الأسبق، الذي أعاد بناء
منظومة الطب في مصر على أسس علمية وإنسانية، وأبدع في تطويرها حتى أصبحت نموذجًا
يحتذى به.
ففي عهده تم تأسيس 9 مراكز أورام و10
مراكز لجراحات القلب المفتوح في محافظات مختلفة، كما تم تطوير معهد ناصر ليصبح قبلة
الطب في الشرق الأوسط.
في معهد
ناصر، الذي صنعه سلام، أُجريت جراحات كبرى لنواب رؤساء جمهوريات ووزراء أفارقة
وعرب، وأصبح المستشفى بديلًا وطنيًا يغني عن سفر السياسيين والفنانين للخارج،
بينما كان الفقراء يتلقون العلاج فيه على نفقة الدولة دون إذلال أو انتظار.
امتلك
المعهد في عهده أحدث الأجهزة، وحصل عبره عشرات الآلاف من الأطباء المصريين والعرب على
درجة الزمالة المصرية، التي تعادل البورد الأمريكي، واعترفت بها بريطانيا وعدد من
دول العالم.
بلغت نسبة الإشغال في المعهد 120%،
وحققت نتائج جراحية مذهلة في مجالات القلب والمخ والأعصاب والعمود الفقري وزرع
النخاع والكلى وأورام المخ الدقيقة، تفوقت على كبرى الجامعات العالمية.
والنتيجة
اليوم: انهيار المنظومة وبَيع الخدمة
لكن بعد
عقدين من رحيل سلام، تبدلت الصورة.
ففي عهد الوزير الحالي، تراجعت
الخدمة الصحية إلى أدنى مستوياتها، وخرجت مئات الأسرة من الخدمة في معهد ناصر
والهلال الأحمر، وأصبح الحصول على سرير رعاية مركزة حلمًا بعيد المنال.
تحوّلت
الخدمة إلى سلعة
الإسعاف لا يتحرك إلا لمن يدفع، والمستشفيات
أصبحت ممنوعة من استقبال حالات الرعاية العاجلة إلا بالتنسيق المسبق، لتتحول
“الرعاية العاجلة” إلى رعاية آجلة قد تستغرق أيامًا أو أسابيع حتى تصل، وغالبًا
بعد فوات الأوان.
المفارقة الكبرى بين وزير جعل من مصر قلعة للطب الحديث، ووزير جعلها زبونًا في عيادة أجنبية داخل حدودها، تختصر القصة المأساة.
فالأول أنشأ وصنع ودرّب ووفّر العلاج
للفقراء، والثاني باع الخدمة وأجر المستشفيات واستورد الإدارة، حتى أصبحنا نحتفل
بما كنا نصنعه بأيدينا بالأمس.
هل كان
خالد عبدالغفار سيفخر لو علم أن “جوستاف روسي” الذي يُبهره اليوم، كان ذات يوم
مستشفى مصريًا عريقًا، يديره أطباء مصريون، ويُعالج فيه المواطن مجانًا بكرامة؟ كما كان يحمل اسم هرمل وقبل التخلص منه للخواجة؟
أم أن هذا هو زمن المفارقات
الكبرى... حين يصبح تأجير المستشفى إنجازًا، وحين يُستبدل المدير المصري بـ"الخواجة" الذي
يوقف العلاج إن تأخر القرار؟